فصل: وفد بني تميم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 ذكر سنة تسع وتسميتها سنة الوفود ونزول سورة الفتح

 انقياد العرب وإسلامهم

قال ابن إسحاق ‏:‏ لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وفرغ من تبوك ، وأسلمت ثقيف ، وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏حدثني أبو عبيدة ‏:‏ أن ذلك في سنة تسع ، وأنها كانت تسمى سنة الوفود ‏.‏

 إذا جاء نصر الله والفتح

قال ابن إسحاق ‏:‏ وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن قريشاً كانوا إمام الناس وهاديهم ، وأهل البيت الحرام ، وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، وقادة العرب لا ينكرون ذلك ‏.‏ وكانت قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافه ، فلما افتتحت مكة ، ودانت له قريش ، ودوخها الإسلام ، وعرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عداوته ، فدخلوا في دين الله كما قال عز وجل أفواجا يضربون إليه من كل وجه يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ‏)‏ أي ‏:‏ فاحمد الله علي ما أظهر من دينك واستغفره إنه كان توابا ‏.‏

 قدوم وفد بني تميم ونزول سورة الحجرات ‏:‏

 رجال الوفد

فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفود العرب ، فقدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي ، في أشراف بني تميم ، منهم الأقرع بن حابس التميمي ، والزبرقان بن بدر التميمي ، أحد بني سعد ، وعمرو بن الأهتم ، والحبحاب بن يزيد ‏.‏

 الحتات وما أخذه معاوية من ميراثه ‏:‏

قال ابن هشام ‏:‏الحتات وهو الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بين نفر من أصحابه من المهاجرين ، بين أبي بكر وعمر ، وبين عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف ، وبين طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وبين أبي ذر الغفاري والمقداد بن عمرو البهراني ، وبين معاوية بن أبي سفيان والحتات بن يزيد المجاشعي ، فمات الحتات عند معاوية في خلافته ، فأخذ معاوية ما ترك وراثة بهذه الأخوة ، فقال الفرزدق لمعاوية ‏:‏

أبوك وعمي يا معاوية أورثا * تراثا فيحتاز التراث أقاربه

فما بال ميراث الحتات أكلته * وميراث حرب جامد لك ذائبه

وهذان البيتان في أبيات له ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏

وفي وفد بني تميم نعيم بن يزيد ،وقيس بن الحارث ، وقيس بن عاصم ، أخو بني سعد ، في وفد عظيم من بني تميم ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏وعطارد بن حاجب ، أحد بني دارم بن مالك بن حنظلة ابن زيد مناة بن تميم ، والأقرع بن حابس ، أحد بني دارم بن مالك ، والحتات بن يزيد ، أحد بني دارم بن مالك ، والزبرقان بن بدر ، أحد بني بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، وعمرو بن الأهتم ، أحد بني منقر بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، وقيس بن عاصم أحد بني منقر بن عبيد بن الحارث ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ ومعهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، وقد كان الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنيناً والطائف ‏.‏

 أصحاب الحجرات وطلبهم المفاخرة ‏:‏

فلما قدم وفد بني تميم كانا معهم ، فلما دخل وفد بني تميم المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته ‏:‏ أن اخرج إلينا يا محمد ، فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم ، فخرج إليهم ، فقالوا ‏:‏ يا محمد جئناك نفاخرك ، فأذن لشاعرنا وخطيبنا ؛ قال ‏:‏ قد أذنت لخطيبكم فليقل ‏:‏

 كلمة عطارد يفتخر قومه

فقام عطارد بن حاجب فقال ‏:‏

الحمد لله الذي له علينا الفضل المن ،وهو أهله الذي جعلنا ملوكاً ، ووهب لنا أموالاً عظاما ، نفعل فيها المعروف ، وجعلنا أعز أهل المشرق ، وأكثره عدداً ، وأيسره عدة ، فمن مثلنا في الناس وأولي فضلهم ‏؟‏ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا ، ولو نشاء لأكثرنا الكلام ،ولكنا نحيا من الإكثار فيما أعطانا ، وإنا نعرف بذلك ‏.‏

أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا ، وأمر أفضل من أمرنا ‏.‏ ثم جلس ‏.‏

 ثابت بن قيس يرد على عطارد

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس ، أخي بني الحارث بن الخزرج ‏:‏ قم فأجب الرجل في خطبته ، فقام ثابت ، فقال ‏:‏

الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه ، قضى فيهن أمره ، ووسع كرسيه علمه ، ولم يك شيء قط إلا من فضله ، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكاً ، واصطفى من خير خلقه رسولا ، أكرمه نسبا ، وأصدقه حديثاً ، وأفضله حسباً ، فأنزل عليه كتابه ، وائتمنه على خلقه ، فكان خيرة الله من العالمين ، ثم دعا الناس إلى الإيمان به ، فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوو رحمه ، أكرم الناس حسباً وأحسن الناس وجوها ، وخير الناس فعالا ‏.‏

ثم كان أول الخلق إجابة ، واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن ، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله ، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه ، ومن كفر جاهدناه في الله أبداً ، وكان قتله علينا يسيراً ‏.‏ أقول قولي هذا واستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات ، والسلام عليكم ‏.‏

 شعر الزبرقان يفتخر بقومه

فقام الزبرقان بن بدر فقال ‏:‏

نحن الكرام فلا حي يعادلنا * منا الملوك وفينا تنصب البيع

وكم قسرنا من الأحياء كلهم * عند النهاب وفضل العز يتبع

ونحن نطعم عند القحط مطعمنا * من الشواء إذا لم يؤنس القزع

بما ترى الناس تأتينا سراتهم * من كل أرض هويا ثم تصطنع

فننحر الكوم عبطا في أرومتنا * للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا

فلا ترانا إلى حي نفاخرهم * إلا استفادوا فكانوا الرأس يقتطع

فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه * فيرجع القوم والأخبار تستمع

إنا أبينا ولا يأبى لنا أحد * إنا كذلك عند الفخر نرتفع

قال ابن هشام ‏:‏

ويروى ‏:‏

منا الملوك وفينا تقسم الربع

ويروى ‏:‏

من كل أرض هوانا ثم نتبع

رواه لي بعض بن تميم ، وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها للزبرقان ‏.‏

 حسان يرد على الزبرقان

قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان حسان غائباً فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال حسان ‏:‏ جاءني رسوله ، فأخبرني أنه إنما دعاني لأجيب شاعر بني تميم ، فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول ‏:‏

منعنا رسول الله إذ حل وسطنا * على أنف راض من معد وراغم

منعناه لما حل بين بيوتنا * بأسيافنا من كل باغ وظالم

ببيت حريد عزه وثراؤه * بجابية الجولان وسط الأعاجم

هل المجد إلا السودد العود والندى * وجاه الملوك واحتمال العظائم

قال فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام شاعر القوم ، فقال ما قال ‏:‏ عرضت في قوله ، وقلت على نحو ما قال ‏:‏ قال ‏:‏ فلما فرغ الزبرقان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت ‏:‏ قم يا حسان ، فأجب الرجل فيما قال ‏.‏ فقام حسان ، فقال ‏:‏

إن الذوائب من فهر وأخوتهم * قد بينوا سنة للناس تتبع

يرضى بهم كل من كانت سريرته * تقوى الإله وكل الخير يصطنع

قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم * أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا

سجية تلك منهم غير محدثة * إن الخلائق فاعلم شرها البدع

إن كان في الناس سباقون بعدهم * فكل سبق لأدنى سبقهم تبع

لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم * عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا

إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم * أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا

أعفة ذكرت في الوحي عفتهم * لا يطبعون ولا يرديهم طمع

لا يبخلون على جار بفضلهم * ولا يمسهم من مطمع طبع

إذا نصبنا لحي لم ندب لهم * كما يدب إلى الوحشية الذرع

نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها * إذا الزعانف من أظفارها خشعوا

لا يفخرون إذا نالوا عدوهم * وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع

كأنهم في الوغى والموت مكتنع * أسد بحليه في أرساغها فدع

خذ منهم ما أتى عفوا إذا غضبوا * ولا يكن همك الأمر الذي منعوا

فإن في حربهم فاترك عداوتهم * شرا يخاض عليه السم والسلع

أكرم بقوم رسول الله شيعتهم * إذا تفاوتت الأهواء والشيع

أهدى لهم مدحتي قلب يؤازره * فيما أحب لسان حائك صنع

فإنهم أفضل الأحياء كلهم * إن جد بالناس جد القول أو شمعوا

قال ابن هشام ‏:‏أنشدني أبو زيد ‏.‏

يرضى بها كل من كانت سريرته * تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا

 شعر أخر للزبرقان بن بدر

وقال ابن هشام ‏:‏ حدثني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم ، أن الزبرقان بن بدر ، لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد تميم ، قام فقال ‏:‏

أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا * إذا احتفلوا عند احتضار المواسم

بأنا فروع الناس في كل موطن * وأن ليس في أرض الحجاز كدارم

وأنا نذود المعلمين إذا انتخوا * ونضرب رأس الأصيد المتفاقم

وأن لنا المرباع في كل غارة * نغير بنجد أو بأرض الأعاجم

 شعر أخر لحسان في الرد على الزبرقان

فقام حسان بن ثابت ، فأجابه فقال ‏:‏

هل المجد إلا السودد العود والندى * وجاه الملوك واحتمال العظائم

نصرنا وآوينا النبي محمدا * على أنف راض من معد وراغم

بحي حريد أصله وثراؤه * بجابية الجولان وسط الأعاجم

نصرناه لما حل وسط ديارنا * بأسيافنا من كل باغ وظالم

جعلنا بنينا دونه وبناتنا * وطبنا له نفسا بفيء المغانم

ونحن ضربنا الناس حتى تتابعوا * على دينه بالمرهفات الصوارم

ونحن ولدنا من قريش عظيمها * ولدنا نبي الخير من آل هاشم

بني دارم لا تفخروا إن فخركم * يعود وبالا عند ذكر المكارم

هبلتم علينا تفخرون وأنتم * لنا خول ما بين ظئر وخادم

فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم * وأموالكم أن تقسموا في المقاسم

فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا * ولا تلبسوا زيا كزي الأعاجم

 إسلام الوفد ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله ، قال الأقرع بن حابس ‏:‏وأبى ، إن هذا الرجل لمؤتى له ، لخطيبه أخطب من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا ، ولأصواتهم أحلى من أصواتنا ، فلما فرغ القوم أسلموا ، وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم ‏.‏

 شعر ابن الأهتم في هجاء قيس

وكان عمرو بن الأهتم قد خلفه القوم في ظهرهم ، وكان أصغرهم سناً ، فقال قيس بن عاصم ، وكان يبغض عمرو بن الأهتم ‏:‏ يا رسول الله ، إنه قد كان رجل منا في رحالنا ، وهو غلام حدث ، وأزرى به ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القوم ، فقال عمرو بن الأهتم حين بلغه أن قيسا قال ذلك ، يهجوه ‏:‏

ظللت مفترش الهلباء تشتمني * عند الرسول فلم تصدق ولم تصب

سدناكم سوددا رهوا وسوددكم * باد نواجذه مقع على الذنب

قال ابن هشام ‏:‏ بقي بيت واحد تركناه ، لأنه أقذع فيه ‏.‏

ما نزل من القرآن في وفد بني تميم

قال ابن إسحاق ‏:‏ وفيهم نزل من القرآن ‏:‏ ‏(‏ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ‏)‏ ‏.‏